معاذ حميد السمعي ـ
شجن… نهاية موجعة لتلوتك يا بلقيس ,
لا أقصد حيث انتهينا، فنحن مفرغون تماما منذ البداية،
القبلة التي ثقبت بالون الأوزون كانت كفيلة بذلك.
غدا سيجمعنا مقعد واحد في الطائرة
سيبدو أحدنا مكسورا والآخر متكئا عليه،
لم أكن أرغب أن نكون معا هذه المرة
كما أني لم أكن أرغب بالذوبان في عينيك صباح ذلك النص.
النص الذي أقنعني أن الحب إله،
وأن عمري من قبله لم يكن سوى ليل طويل..
الصدفة دائما تضعنا في مأزق الكونية, وعلى خلاف ما نرغب تقرر دائما كيف يجب أن نكون،
الصدفة يا بلقيس,
الجندي المجهول الذي يغرسه المصير في نشوة تمردنا عليه ويعمد إليه ملاحقتنا خارج اللعبة.
ها نحن قد ثرنا، وفي وقت مبكر جدا
ربما.. قبل فخ أو فخين من لعبة القدر.. وها نحن نصفع عند أول تحليق..
ـ ألا تزال تحبني .؟
ـ لا وقت لهذا الآن..
ولكي يتسنى ذلك.. دعينا نعود إلى البداية وتحديدا حيث أللا شيء,
الفراغ الذي جلس جواري وأنا أحاول أن أشعل أعصابي المحشورة في لفافة سيجارة,
لا أتذكر نوعية سجائري وقتها جل ما أتذكره أنها كانت أقل رداءة من هذه التي أدخنها الآن ،
لم تكن تجتاحني رغبة بالتدخين أنذاك،
فقط كنت أحاول أن أضع
شيئا من الخُمرة على ذلك الصباح الداكن ,
شيئا من الحياة على تلك القصائد الميتة..
أحيانا قد ينفخ المرء الكثير من روحه على الأشياء حين يدخن,
ونادرا ما تجلس على كتفه فرشة كبيرة هكذا فجأة. تسأله في هبوط اضطراري كطائرة وقعت في البحر..
ـ هل أنت معنا في الندوة ؟
وأحيانا كثيرة لا نجد لمثل هذه الأسئلة الكفيفة أي عضو لغوي أو حركي حتى..
لنكمل أطرافها المبتورة , فنضطر للـ … ما الذي سأضطر إليه الآن..!
وما هي تلك القوة التي ستجبرني على الكلام في هذا المحيط المعاق؟
حسنا… لم أكن أعلم أن للعطر كل تلك السيادة..!
فقط كنت أحاول أن أتماسك، وأنفث ساخرا، حتى لا أبدو مهتما البتة,
ـ لا. لست مع أحد،.. جرح غائر على خاصرة الندى يسكنني الغبار..!
وأومأت.. متجاهلا مخاض الغرابة في ذلك المدور كالبدر والذي لم ألتفت إليه بعد,
ـ أتسمعين هذا….! كان أحدهم يقول هراءا في المنصة.. كيف لهذا أن يكون شعرا..!؟
كنا نستبق القاعة بمقعدين. والوعي في سبات لحظي مريع، الجمع يتساقط في اللاشعر، ويهتز كدمى ورقية تشغل الفراغ على المقاعد، لم تكوني المتحررة الوحيدة من موجة الصقيع تلك. كنتما اثنين وآخر يغتال القصيدة على المنصة، كنتما ثلاثة وهمساتك المضطربة في رأسي بتعاويذ السحرة، كنتما أربعة وأنفاسك المشتعلة وغيمات القلق المتصاعد من غابات التبغ في رئتي. وكنت وحيدا تحت وخز أنفاسك اللذيذة. لا يأمل أية فرصة لينجو..!
ـ الندى, الجرح، الغبار..! كيف لكل هذا التضاد أن يجتمع في كائن واحد، من أنت، ؟
قهقهت مكابرا, وعيناي لا تزالان مضفورتين بالحبال المتدلية بيني وبين المنصة، وأخذت أتمتم بكلماتٍ وأسرد أحداثا ليس لها صلة بكل تساؤلاتك ، وليس لها أية صلة بي أيضا,
لطالما سمعتها ولم أدرك معناها ,غالب الظن أنها تلك اللغة الحميمة بين شفتي وأعقاب سجائري لكنها بصوت مسموع هذه المرة..
هكذا تخلصت من سطوة عطرك ربما ، أو هكذا تظاهرت..!
لكن احتكاكك بي – وأنا أحاول إقناعك أني لست مشاركا, بل مجرد مدعو للإختناق بهذا الكم الهائل من المهرجين – كان الفيروس السحري الذي أخرجني من جاهزية العمل الذاتي وبدأ يتحكم بي عن بعد.
بدأت عيناي الشاخصتان للأعلى تتحركان كبندول الساعة, وجهي المعلق على المنصة كصورة قديمة يفقد تماسكه ويسقط,
لم يكن السقوط للأسفل مناسبا آنذاك,
جاذبية الأرض كانت كلها تحتك بكتفي المتراخي من جهة البحر,
__