جميل مفرح
ما لم يكن ممكناً…
أنني عندما أتلقى هديرك لا أهتدي
دائماً أستجير بكفيك.. أطويهما في خيالي كأنشوطتين وأهوي إلى جوهر الارتقاء..
أنا الآن فوق جموح الخيال.. أرتب متكأً لائقاً بمكوثي..
وأبدأ أسرد للغيب أسطورتي كفتى قادمٍ من وراء المحال.. وشيخٍ ترهبن من أجل أن تستغيث به امرأة دمها مشبعٌ بضجيج البغاء..
روائحها تسترد الخلود، تطوِّح بالذكريات، فيسقط من بينها وله الأشقياء..
المجرات مطفأة كلها تحت عينيَّ إلا أنا
وهناااااك سديمٌ مهابٌ، ولألأةً، حجر نائم.. بل فتىً من وميض..
هنالك صوت ملائكةٍ، وبوح حرير.. خرير غناءٍ..
هنالك كفان أيضاً تقاسمتا محبساً ضائعاً، فتلاشى التلامس حولهما وانحنى الانحناء..
هنالك نصف براق لأمنيةٍ،
كنت أغزل أشعارها وأبدد من حولها غزل الاشتهاء..
المجرات تحتي.. ولكنها الآن مطفأةٌ
وأنا مطفأ والفضاء انطفااااااء..
هناك ملائكةٌ يغسلون ملابسهم بدموع الإله، ويطوونها في خناق الولاء له..
يبدعون، ينثون عنك غبار المسافاتِ، وعثاءها، كلفة الغرباء..
هناك وحوشٌ، لحىً من شواظٍ، قبابٌ
عمائم خضراء، بيضاء، سوداء.. أضرحةٌ، ومقامات زيفٍ، وأدعيةٌ، مطربون، جوارٍ، فلاسفة، وتماثيل للأدباء..
إذا لم يكن ممكناً أن أصدِّق أني
ارتفعت كثيراً عن الكون،
حتى انتهى قبل أن أبتدي عالم الانتهاء..
فلا بد لي أن أفكر في أن أدوس المجرات تحت فضولي..
وأركلها كي تضيء ويلمع من قلبها حجر قرمزيٌّ، متبلةٌ كل أسمائه بخليط البهاء..
أنا حجرٌ خالدٔ لا مواقيت تؤذيه، لا قدر يستبد به، لا عيون تراقبه في محيط البقاء..
أنا الآن لست أنا..
لأن الأنا شهوةٌ
ومحرَّمةٌ كل سانحةٍ تبلغ الاشتهاء..
أنا الآن غير أناي التي لم تكن كل هذا الهباء..
أنا الآن بيني وبيني مسافة أسطورة وتعاويذ بترى، تراث قديم، خرافات مستقبل غارقٍ في العناء..
أنا الآن أغرق في الابتداء..
أصفُّ حواف المشيئة، أستشعر الغيب
أقطف من كل شاردةٍ زهرة الاحتفاء..
أنا الآن عدت فقط لأودع نفسي،
أحاول أن أستثير غيوبي فريداً..
وأهرب مما يحيك النهايات أو يستلذ نبيذ الفناء..
أنا ضالع في الخطيئة.. أدري
ولكنها ما تزال الخطيئة أنضج مني..
و….، لستُ وحيداً ولا كنت آدمَ
لكنني واحدٌ مفردٌ جاء في نسله حكماء كثيرٌ، فلاسفةٌ، وشياطين أيضاً يجيدون حين يشاؤون تجربة الأنبياء.
أنا الآن حيث أريد تماماً
أهذب نافذتي بين بالين.. أزرع في شرفتي شجراً غامضاً، ليس فيه من الاشتجار سوى الالتواء..
وأسقي هنااااك بعيداً عن الافتراض الزهور التي ضل منها تسلسلها لحظة الاهتداء.
أنا الآن حيث يجب أن أكون،
أهدئ من روع أسئلتي.. و أعد إجاباتها بأساليب أخرى، قصائد أخرى، خرافات أجحيةٍ لم يكن قبلها هاجس مقنع يعجب الشعراء..
أعيدُ ابتكار وجودي
كما لم يكن ربما لفتى سابق، يتقن الادعاء..
لا رقاب على مذبحي، غير ما تستطيع الكنايات إتقانه، أو تجيد البلاغة إضماره في رئات الهباء.
أنا الآن في الصفحة المشتهاة التي يتعلق تاريخها بتواريخ وجهٍ تجدَّر بالاختلاف وبالاختلاق وبالاشتهاء..
أوزع في جدول الوقت أحلام من فشلوا في التمني ومروا مرور الكرام على الابتلاء..
وأنسى دبيب الكتابة، وشوشة الرسم، أنسى امتلاكي زمام الكلام.. جميع اللغات مكبلةٌ بحضورك يا سيد الأشقياء..
أنا الآن فوق الأوان وكل تفاصيل وقتي مشتتة كغبار عجوز أضاع عصاه وعينيه.. إني هنا فوووووق صهوة قلبك، أدفع كل جموحي مقابل معزوفةٍ للفناء..
أنا الآن حولك يا شجني..
أستعين بشجوك حين يطل على لحظتي أو يطيل الولاء..
أنا الآن…..
ضاع ختام القصيدة مني وضاع الزمان، المكان، القضية، ضعنا معاً في الزحام بقايا تساقط معظمها في الهواء.